فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال وهب: ذكر لي أن منزلًا بناحية دجلة مكتوب فيه كتبه بعض صحابة سليمان إما من الإنس أو من الجن نحن نزلناه وما بنيناه ومبنيًا وجدناه غدونا من إصطخر فقلناه ونحن رائحون منه إن شاء الله فنازلون بالشام وقال مقاتل: نسجت الشياطين لسليمان بساطًا فرسخًا في فرسخ ذهبًا في إبريسم وكان يوضع له منبر من ذهب وسط البساط فيقعد عليه وحوله ثلاثة آلاف كرسي من ذهب وفضة، تقعد الأنبياء على كراسي الذهب، والعلماء على كراسي الفضة، وحولهم الناس، وحول الناس الجن والشياطين، وتظلله الطير بأجنحتها حتى لا تقع عليه شمس، وترفع ريح الصبا البساط مسيرة شهر من الصباح إلى الرواح وقال الحسن: لما شغلت نبي الله سليمان الخيل حتى فاتته، صلاة العصر غضب لله فعقر الخيل فأبدله الله مكانها خيرًا منها وأسرع الريح تجري بأمره كيف شاء فكان يغدو من إيلياء فيقيل بإصطخر ثم يروح منها فيكون رواحه ببابل.
وروي أن سليمان سار من أرض العراق فقال بمدينة بلخ متخللًا بلاد الترك، ثم جاوزهم إلى أرض الصين يعدو على مسيرة شهر ويروح على مثل ذلك ثم عطف يمنة عن مطلع الشمس على ساحر البحر حتى أتى أرض السند وجاوزها وخرج منها إلى مكران وكرمان، ثم جاوزهما حتى أتى أرض فارس فنزلها أيامًا، وغدا منها فقال بكسكر، ثم راح إلى الشام. وكان مستقره بمدنية تدمر وكان أمر الشياطين قبل شخوصه إلى العراق فبنوها له بالصفاح والعمد والرخام الأصفر والأبيض، وفي ذلك يقول النابغة:
إلا سليمان إذ قال المليك له ** قم في البرية فاحددها عن الفند

وجيش الجن إني قد أذنت لهم ** يبنون تدمر بالصفاح والعمد

قوله: {ومن الشياطين} أي وسخرنا له من الشياطين {من يغوصون له} أي يدخلون تحت الماء فيخرجون له من قعر البحر الجواهر {ويعملون عملًا دون ذلك} أي دون الغوص وهو اختراع الصنائع العجيبة كما قال: {يعملون له ما يشاء من محاربيب وتماثيل} الآية، ويتجاوزون في ذلك إلى أعمال المدن والقصور والصناعات كاتخاذ النورة والقوارير والصابون وغير ذلك {وكنا لهم حافظين} يعني حتى لا يخرجوا عن أمره، وقيل: حفظناهم من أن يفسدوا ما عملوا وذلك أنهم كانوا إذا عملوا عملًا في النهار وفرغ قبل الليل أفسدوه وخربوه.
قيل: إن سليمان كان إذا بعث شيطانًا مع إنسان ليعمل له عملًا قال له إذا فرغ من عمله قبل الليل اشغله بعمل آخر لئلا يفسد ما عمل ويخربه. اهـ.

.قال النسفي:

{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ}.
هداه {مِن قَبْلُ} من قبل موسى وهرون أو من قبل محمد عليه السلام {وَكُنَّا بِهِ} بإبراهيم أو برشده {عالمين} أي علمنا أنه أهل لما آتيناه {إِذْ} إما أن تتعلق بـ: {اتيناه} أو بـ: {رشده} {قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هذه التماثيل} أي الأصنام المصورة على صورة السباع والطيور والإنسان، وفيه تجاهل لهم ليحقر آلهتهم مع علمه بتعظيمهم لها {التى أَنتُمْ لَهَا عاكفون} أي لأجل عبادتها مقيمون. فلما عجزوا عن الإتيان بالدليل على ذلك.
{قَالُواْ وَجَدْنَا ءابَاءنَا لَهَا عابدين} فقلدناهم {قَالَ} إبراهيم {لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمْ في ضلال مُّبِينٍ} أراد أن المقلدين والمقلدين منخرطون في سلك ضلال ظاهر لا يخفى على عاقل، وأكد بـ: {أنتم} ليصح العطف لأن العطف على ضمير هو في حكم بعض الفعل ممتنع {قَالُواْ أَجِئْتَنَا بالحق} بالجد {أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين} أي أجاد أنت فيما تقول أم لاعب استعظامًا منهم إنكاره عليهم واستبعادًا لأن يكون ما هم عليه ضلالًا، فثم أضرب عنهم مخبرًا بأنه جاد فيما قال غير لاعب مثبتًا لربوبية الملك العلام وحدوث الأصنام بقوله: {قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السماوات والأرض الذي فطَرَهُنَّ} أي التماثيل فأنى يعبد المخلوق ويترك الخالق {وَأَنَاْ على ذلكم} المذكور في التوحيد شاهد {من الشاهدين وتالله} أصله والله وفي التاء معنى التعجب من تسهيل الكيد على يده مع صعوبته وتعذره لقوة سلطة نمروذ.
{لاكِيدَنَّ أصنامكم} لأكسرنها {بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ} بعد ذهابكم عنها إلى عيدكم، قال ذلك سرًّا من قومه فسمعه رجل واحد فعرض بقوله: {إِنّى سَقِيمٌ} [الصافات: 89] أي سأسقم ليتخلف.
فرجع إلى بيت الأصنام {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} قطعًا من الجذ وهو القطع جمع جذاذة كزجاجة وزجاج جذاذ بالكسر: علي، جمع جذيذ أي مجذوذ كخفيف وخفاف {إِلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ} للأصنام أو للكفار أي فكسرها كلها بفأس في يده إلا كبيرها فعلق الفأس في عنقه {لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ} إلى الكبير {يَرْجِعُونَ} فيسألونه عن كاسرها فتبين لهم عجزه، أو إلى إبراهيم ليحتج عليهم، أو إلى الله لما رأوا عجز آلتهم {قَالُواْ} أي الكفار حين رجعوا من عيدهم ورأوا ذلك {مَن فَعَلَ هذا بِئَالِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظالمين} أي إن من فعل هذا الكسر لشديد الظلم لجراءته على الآلهة الحقيقة عندهم بالتوقير والتعظيم {قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إبراهيم} الجملتان صفتان لـ: {فتى} إلا أن الأول وهو {يذكرهم} أي يعيبهم لابد منه للسمع لأنك لا تقول: سمعت زيدًا. وتسكت حتى تذكر شيئًا مما يسمع بخلاف الثاني.
وارتفاع {إبراهيم} بأنه فاعل {يقال} فالمراد الاسم المسمى أي الذي يقال له هذا الاسم {قَالُواْ} أي نمروذ وأشراف قومه {فَأْتُواْ بِهِ} أحضروا إبراهيم {على أَعْيُنِ الناس} في محل الحال بمعنى معاينًا مشاهدًا أي بمرأى منهم ومنظر {لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} عليه بما سمع منه أو بما فعله كأنهم كرهوا عقابه بلا بينة أو يحضرون عقوبتنا له.
فلما أحضروه {قَالُواْ ءأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِئَالِهَتِنَآ ياإبراهيم قَالَ} إبراهيم {بَلْ فَعَلَهُ} عن الكسائي: إنه يقف عليه أي فعله من فعله، وفيه حذف الفاعل وأنه لا يجوز، وجاز أن يكون الفاعل مسندًا إلى الفتى المذكور في قوله: {سمعنا فتى يذكرهم} أو إلى {إبراهيم} في قوله: {يا إبراهيم} ثم قال: {كَبِيرُهُمْ هذا} وهو مبتدأ وخبر.
والأكثر أنه لا وقف، والفاعل {كبيرهم} وهذا وصف أو بدل، ونسب الفعل إلى كبيرهم وقصد تقريره لنفسه وإثباته لها على أسلوب تعريضي تبكيتًا لهم وإلزامًا للحجة عليهم لأنهم إذا نظروا النظر الصحيح علموا عجز كبيرهم وأنه لا يصلح إلهًا، وهذا كما لو قال لك صاحبك وقد كتبت كتابًا بخط رشيق أنيق: أأنت كتبت هذا وصاحبك أمي فقلت له بل كتبته أنت كان قصدك بهذا الجواب تقريره لك مع الاستهزاء به لا نفيه عنك وإثباته للأمي، لأن إثباته للعاجز منكما والأمر كائن بينكما استهزاء به وإثبات للقادر، ويمكن أن يقال: غاظته تلك الأصنام حين أبصرها مصطفة وكان غيظ كبيرها أشد لما رأى من زيادة تعظيمهم له، فأسند الفعل إليه لأن الفعل كما يسند إلى مباشره يسند إلى الحامل عليه، ويجوز أن يكون حكاية لما يقود إلى تجويزه مذهبهم كأنه قال لهم: ما تنكرون أن يفعله كبيرهم فإن من حق من يعبد ويدعى إلهًا أن يقدر على هذا.
ويحكى أنه قال: غضب أن تعبد هذه الصغار معه وهو أكبر منها فكسرهن، أو هو متعلق بـ شرط لا يكون وهو نطق الأصنام فيكون نفيًا للمخبر عنه أي بل فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون، وقوله: {فَاسْئَلُوهُمْ} اعتراض.
وقيل: عرض بالكبير لنفسه وإنما أضاف نفسه إليهم لاشتراكهم في الحضور {فَاسْئَلُوهُمْ} عن حالهم {إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ} وأنتم تعلمون عجزهم عنه.
{فَرَجَعُواْ إلى أَنفُسِهِمْ} فرجعوا إلى عقولهم وتفكروا بقلوبهم لما أخذ بمخانقهم {فَقَالُواْ إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظالمون} على الحقيقة بعبادة ما لا ينطق لا من ظلمتموه حين قلتم {من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين} فإن من لا يدفع عن رأسه الفاس، كيف يدفع عن عابديه البأس؟
{ثُمَّ نُكِسُواْ على رُؤُوسَهُمْ} قال أهل التفسير: أجرى الله تعالى الحق على لسانهم في القول الأول، ثم أدركتهم الشقاوة أي ردوا إلى الكفر بعد أن أقروا على أنفسهم بالظلم، يقال: نكسته قلبته فجعلت أسفله أعلاه أي استقاموا حين رجعوا إلى أنفسهم وجاؤوا بالفكرة الصالحة ثم انقلبوا عن تلك الحالة فأخذوا في المجادلة بالباطل والمكابرة وقالوا {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاء يَنطِقُونَ} فكيف تأمرنا بسؤالها؟ والجملة سدت مسد مفعولي {علمت} والمعنى لقد علمت عجزهم عن النطق فكيف نسألهم؟ {قَالَ} محتجًا عليهم {أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئًا} هو في موضع المصدر أي نفعًا {وَلاَ يَضُرُّكُمْ} إن لم تعبدوه {أُفّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} أف صوت إذا صوت به علم أن صاحبه متضجر، ضجر مما رأى من ثباتهم على عبادتها بعد انقطاع عذرهم وبعد وضوح الحق فتأفف بهم واللام لبيان المتأفف به أي لكم ولآلهتكم هذا التأفف {أف} مدني وحفص، {أفّ} مكي وشامي {أفّ} غيرهم {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أن من هذا وصفه لا يجوز أن يكون إلهًا.
فلما لزمتهم الحجة وعجزوا عن الجواب {قَالُواْ حَرّقُوهُ} بالنار لأنها أهول ما يعاقب به وأفظع {وانصروا ءالِهَتَكُمْ} بالانتقام منه {إِن كُنتُمْ فاعلين} أي إن كنتم ناصرين آلهتكم نصرًا مؤزرًا فاختاروا له أهول المعاقبات وهو الإحراق بالنار وإلا فرطتم في نصرتها، والذي أشار بإحراقه نمروذ أو رجل من أكراد فارس.
وقيل: إنهم حين هموا بإحراقه حبسوه ثم بنوا بيتًا بكوثى وجمعوا شهرًا أصناف الخشب ثم أشعلوا نارًا عظيمة كادت الطير تحترق في الجو من وهجها، ثم وضعوه في المنجنيق مقيدًا مغلولًا فرموا به فيها وهو يقول: حسبي الله ونعم الوكيل، وقال له جبريل: هل لك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا.
قال: فسل ربك. قال: حسبي من سؤالي علمه بحالي. وما أحرقت النار إلا وثاقه.
وعن ابن عباس: إنما نجا بقوله: حسبي الله ونعم الوكيل.
{قُلْنَا يَا نَارُ كُونِى بَرْدًا وسلاما} أي ذات برد وسلام فبولغ في ذلك كأن ذاتها برد وسلام {على إبراهيم} أراد ابردي فيسلم منك إبراهيم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: لو لم يقل ذلك لأهلكته ببردها.
والمعنى أن الله تعالى نزع عنها طبعها الذي طبعها عليه من الحر والإحراق وأبقاها على الإضاءة والإشراق كما كانت وهو على كل شيء قدير {وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْدًا} إحراقًا {فجعلناهم الأخسرين} فأرسل على نمروذ وقومه البعوض فأكلت لحومهم وشربت دماءهم ودخلت بعوضة في دماغ نمروذ فأهلكته {ونجيناه} أي إبراهيم {وَلُوطًا} ابن أخيه هاران من العراق {إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا للعالمين} أي أرض الشام وبركتها أن أكثر الأنبياء منها فانتشرت في العالمين آثارهم الدينية وهي أرض خصب يطيب فيها عيش الغني والفقير.
وقيل: ما من ماء عذب في الأرض إلا وينبع أصله من صخرة بيت المقدس.
روي أنه نزل بفلسطين ولوط بالمؤتفكة وبينهما مسيرة يوم وليلة.
وقال عليه السلام إنها ستكون هجرة بعد هجرة فخيار الناس إلى مهاجر إبراهيم {وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} قيل: هو مصدر كالعافية من غير لفظ الفعل السابق أي وهبنا له هبة: وقيل: هي ولد الولد وقد سأل ولدًا فأعطيه وأعطي يعقوب نافلة أي زيادة فضلًا من غير سؤال وهي حال من {يعقوب} {وَكُلًا} أي إبراهيم وإسحق ويعقوب وهو المفعول الأول لقوله: {جَعَلْنَا} والثاني {صالحين} في الدين والنبوة.
{وجعلناهم أَئِمَّةً} يقتدى بهم في الدين {يَهْدُونَ} الناس {بِأَمْرِنَا} بوحينا {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخيرات} وهي جميع الأعمال الصالحة وأصله أن تفعل الخيرات ثم فعلا الخيرات ثم فعل الخيرات.
وكذلك قوله: {وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة} والأصل وإقامة الصلاة إلا أن المضاف إليه جعل بدلًا من الهاء {وَكَانُواْ لَنَا عابدين} لا للإصنام فأنتم يا معشر العرب أولاد إبراهيم فاتبعوه في ذلك.
{وَلُوطًا} انتصب بفعل يفسره {آتَيْنَاهُ حُكْمًا} حكمة وهي ما يجب فعله من العمل أو فصلًا بين الخصوم أو نبوة {وَعِلْمًا} فقهًا {ونجيناه مِنَ القرية} من أهلها وهي سدوم {التى كَانَت تَّعْمَلُ الخبائث} اللواطة والضراط وحذف المارة بالحصى وغيرها {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْء فاسقين} خارجين عن طاعة الله {وأدخلناه في رَحْمَتِنا} في أهل رحمتنا أو في الجنة {إِنَّهُ مِنَ الصالحين} أي جزاء له على صلاحه كما أهلَكِنا قومه عقابًا على فسادهم {وَنُوحًا} أي واذكر نوحًا {إِذْ نادى} أي دعا على قومه بالهلاك {مِن قَبْلُ} من قبل هؤلاء المذكورين {فاستجبنا لَهُ} أي دعاءه {فنجيناه وَأَهْلَهُ} أي المؤمنين من ولده وقومه {مِنَ الكرب العظيم} من الطوفان وتكذيب أهل الطغيان.
{ونصرناه مِنَ القوم الذين كَذَّبُواْ بآياتنا} منعناه منهم أي من أذاهم {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْء فأغرقناهم أَجْمَعِينَ} صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم.
{وَدَاوُدَ وسليمان} أي واذكرهما {إِذْ} بدل منهما {يَحْكُمَانِ في الحرث} في الزرع أو الكرم {إِذْ} ظرف لـ: {يحكمان} {نَفَشَتْ} دخلت {فِيهِ غَنَمُ القوم} ليلًا فأكلته وأفسدته والنفش انتشار الغنم ليلًا بلا راع {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ} أرادهما والمتحاكمين إليهما {شاهدين} أي كان ذلك بعلمنا ومرأى منا.
{ففهمناها} أي الحكومة أو الفتوى {سليمان} وفيه دليل على أن الصواب كان مع سليمان صلوات الله عليه.
وقصته أن الغنم رعت الحرث وأفسدته بلا راع ليلًا فتحاكما إلى داود فحكم بالغنم لأهل الحرث وقد استوت قيمتاهما أي قيمة الغنم كانت على قدر النقصان من الحرث فقال سليمان وهو ابن إحدى عشرة سنة غير هذا أرفق بالفريقين، فعزم عليه ليحكمن فقال: أرى أن تدفع الغنم إلى أهل الحرث ينتفعون بألبانها وأولادها وأصوافها والحرث إلى رب الغنم حتى يصلح الحرث ويعود كهيئته يوم أفسد ثم يترادان.
فقال: القضاء ما قضيت وأمضى الحكم بذلك، وكان ذلك باجتهاد منهما وهذا كان في شريعتهم، فأما في شريعتنا فلا ضمان عند أبي حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم بالليل أو بالنهار إلا أن يكون مع البهيمة سائق أو قائد، وعند الشافعي رحمه الله يجب الضمان بالليل.
وقال الجصاص: إنما ضمنوا لأنهم أرسلوها.
ونسخ الضمان بقوله عليه السلام: «العجماء جبار» وقال مجاهد: كان هذا صلحًا وما فعله داود كان حكمًا والصلح خير {وَكُلًا} من داود وسليمان {آتيناه حُكْمًا} نبوة {وَعِلْمًا} معرفة بموجب الحكم {وَسَخَّرْنَا} وذللنا {مَّعَ داود الجبال يُسَبّحْنَ} وهو حال بمعنى مسبحات أو استئناف كأن قائلًا قال: كيف سخرهن؟ فقال: يسبحن {والطير} معطوف على الجبال أو مفعول معه، وقدمت الجبال على الطير لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب وأغرب وأدخل في الإعجاز لأنها جماد.
روي أنه كان يمر بالجبال مسبحًا وهي تتجاوبه: وقيل: كانت تسير معه حيث سار {وَكُنَّا فاعلين} بالأنبياء مثل ذلك وإن كان عجبًا عندكم.
{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ} أي عمل اللبوس والدروع واللبوس اللباس والمراد الدرع {لِتُحْصِنَكُمْ} شامي وحفص أي الصنعة، وبالنون: أبو بكر وحماد أي الله عز وجل، وبالياء: غيرهم أي اللبوس أو الله عز وجل {مّن بَأْسِكُمْ} من حرب عدوكم {فَهَلْ أَنتُمْ شاكرون} استفهام بمعنى الأمر أي فاشكروا الله على ذلك {ولسليمان الريح} أي وسخرنا له الريح {عَاصِفَةً} حال أي شديدة الهبوب ووصفت في موضع آخر بالرخاء لأنها تجري باختياره، وكانت في وقت رخاء وفي وقت عاصفة لهبوبها على حكم إرادته {تَجْرِى بِأَمْرِهِ} بأمر سليمان {إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا} بكثرة الأنهار والأشجار والثمار والمراد الشام، وكان منزله بها وتحمله الريح من نواحي الأرض إليها {وَكُنَّا بِكُلّ شيء عالمين} وقد أحاط علمنا بكل شيء فتجري الأشياء كلها على ما يقتضيه علمنا {وَمِنَ الشياطين} أي وسخرنا منهم {مَن يَغُوصُونَ لَهُ} في البحار بأمره لاستخراج الدر وما يكون فيها {وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلك} أي دون الغوص وهو بناء المحاريب والتماثيل والقصور والقدور والجفان {وَكُنَّا لَهُمْ حافظين} أن يزيغوا عن أمره أو يبدلوا أو يوجد منهم فساد فيما هم مسخرون فيه. اهـ.